النهار – رلى خالد
تحظى منطقة جزين بتنوّع بيئي إيكولوجي نادر، وضعها أخيراً في طليعة 400 موقع في لبنان، تتميّز بغناه بالعنبر، وهي مادة صمغيّة متحجّرة، تحفظ بشكل لافت كلّ الحشرات والعناصر البيولوجيّة العالقة فيها والموجودة عبر العصور على شكل متحجّرات فريدة تفتح نافذة على الماضي السحيق، وتتيح إمكان درس التطوّر التي شهدته هذه العناصر على مرّ العصور . وفي هذا السياق، خصّص المؤتمر الدولي السادس لدرس "الحشرات والمفصليّات الأحفوريّة والعنبر الذي نظمته الجامعة اللبنانية – كلية العلوم بالتعاون مع بلديّة جبيل، برعاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والذي عقد في جبيل بين 14 نيسان الجاري و 18 منه، زيارة ميدانيّة استكشافيّة لمنطقة جزين، بالتعاون مع بلديّة بكاسين. ضمّت الجولة 50 باحثاً من نحو 20 دولة، لاستطلاع أنواع العنبر الموجودة في المنطقة.
جال الوفد الأجنبي منذ الصباح، يرافقه أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية – العلوم والباحث في تطوّر الحشرات المتحجّرة داخل العنبر والرئيس الحالي لـ IPS International Paleontological Society والبروفسور داني عازار، فريق من طلاب الجامعة اللبنانية في منطقة جزين، بدءاً من روم وعازور والحمصيّة، مروراً ببلدة بكاسين فأسفل شلال جزين، وكلّها أماكن تتميّز بغناها بالعنبر.
وتحدث عازار لـ "النهار" عن سبب تخصيص الجولة الميدانية للمؤتمر في منطقة جزين، مؤكداً أنها "تعتبر من أهم المواقع اللبنانية التي تحتوي على مادة العنبر بكثافة. فأول اكتشاف لهذه المادة في لبنان بعد درسه بطريقة علميّة، كان مصدره منطقة جزين، وتحديداً محلّة جوار السوس على مدخل بلدة بكاسين، واستطعنا أن نكتشف اخيراً 8 مواقع في المنطقة تضم العنبر، وقد حفظت في داخلها متحجّرات رائعة من الحشرات". وكشف "أن درس هذه المتحجّرات يفتح لنا نافذة على الماضي، ويتيح إمكان درس البيئة في تلك الحقبة، وأولى مراحل التطوّر الذي شهدته على مرّ العصور وصولاً الى البيئة الحالية"، لافتاً "الى أن هذا العنبر يعود الى العصر الطبشوري أي نحو 135 مليون سنة، وهو منتشر في أكثر من 400 موقع في لبنان، من بينها منطقة جزين، علماً أن وجوده يتزامن مع ظهور النباتات المزهرة". لكن الاكتشاف الأبرز الذي يتحدث عنه عازار، "هو للعنبر الأقدم في العالم، العائد الى العصر الجوراسي أي الى نحو 155 مليون سنة والمكتشف في هذه المنطقة وتحديداً في بكاسين وأسفل شلال جزين".
واعتبر "أن هذا الاكتشاف ليس بجديد على المنطقة، فقد عثر منذ أعوام في بلدة بكاسين على أسنان ديناصورات، كشفت الدراسات العلميّة التي أخضعت لها أنها تعود الى أكبر ديناصور في العالم".
وإذ أكدّ عازار "أن لبنان يعتبر واحداً من 52 نقطة حامية في العالم بالنسبة الى التنوّع البيئي، والدليل على ذلك التصويت الذي حصل خلال المؤتمر الدولي الخامس الذي عقد في الصين في آب 2010، لاختيار لبنان مضيفاً للمؤتمر السادس الذي نشهد فعّالياته اليوم"، أسف للإهمال الرسمي والغياب الكامل للدولة، عن هذا الإرث التاريخي المميّز، مشدّداً على أن أحد أبرز أهداف انعقاد المؤتمر في لبنان، هو نشر التوعية وتحفيز الدولة والشعب اللبناني على إنتاج قوانين تحمي هذا الإرث التاريخي، من التدمير والاضمحلال، وخصوصاً أن المواقع المحدّدة لوجود العنبر في لبنان غير محميّة أبدا.ً
من جهته، أشار رئيس بلديّة بكاسين حبيب فارس، الى أنه ليس خفياً على أحد "أن بكاسين تتمتع بمميّزات فريدة من نوعها وخصوصاً على صعيد غناها بالعنبر العائد الى العصر الطبشوري، إذ تشكَل التجمّعات الأبرز لعشرات الأصناف من الحشرات والمفصليّات الأحفوريّة التي تعود الى فترة وجود الديناصورات، والظهور الأول للنباتات المزهرة". وأبدى استعداداً دائماً للتعاون وتقديم أي مساعدة ميدانية للمساهمة في الاختبارات العلمية التي ترفع شأن المنطقة ولبنان عالمياً، ومن أجل تحقيق فهم أفضل للتطورات التاريخية والتنوّع الذي شهده العديد من الكائنات، موضحاً "أن وجود هذه المواقع الأحفورية الفريدة في المنطقة يفرض علينا واجب المحافظة على هذا الإرث التاريخي العلمي، لذا سنعمد الى تقديم أرض تملكها بلديّة بكاسين لبناء متحف ثقافي علمي، يكون الأول من نوعه في المنطقة للتوعية على أهمية هذا الإرث".