النهار – رلى خالد
حرمت منطقة جزين بعد التحرير العام 2000 من الدعم الذي كان متوقعاً من الدولة لإنمائها على مختلف الصعد، وتأمين تثبيت ما بقي من أهلها عبر مشاريع خدماتية وإنمائية توفر لهم مقومات البقاء، كدعم القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، والقطاع التعليمي الجامعي والصناعي الذي يوفر فرص عمل لأبناء المنطقة ويقيهم شرّ الهجرة والنزوح الى المدينة، مع ما يترتب عليه من تفريغ وتهجير جديد للمنطقة في زمن السلم.
كانت فكرة إنشاء "جمعية الإنماء الزراعي" التي تأسست العام 2010 بمبادرة خاصة من عدد من الغيارى على مصلحة المنطقة، بهدف إنعاش كلّ القطاع الزراعي النباتي والحيواني في المنطقة. ووفق مؤسسي الجمعية: "إن منطقة جزين التي حوصرت وتهجرّت على مدى 30 سنة، هجرها معظم أهلها لتعذر استثمار الأراضي الزراعية الواقعة على "خطوط التماس" طوال هذه الفترة، ولم يعودوا اليها بعد التحرير بسبب غياب أي تشجيع أو توجيه رسمي يضمن معيشتهم في هذا القطاع. ترافق ذلك مع تدهور الوضع الإقتصادي للمقيمين الذين عمد بعضهم الى بيع أرضه، علماً أن القطاع الزراعي يعتبر من القطاعات المنتجة والمربحة في حال توافر له الدعم والمساعدة في التسويق".
مع بداية انطلاقها استطاعت الجمعية التوصل الى اتفاق مع وزارة الزراعة يؤمن دعما لكل بقرة حلوب في المنطقة، يصل الى 75000 الف ليرة، لكن هذا الدعم وحده لم يكن كافياً، لأن تصريف الإنتاج يعتبر من أولويات المزارع لتأمين دخل لائق، فتحرّك القيّمون على الجمعية لانشاء مركز لجمع الحليب وتسويقه، بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وبدعم من اتحاد بلديات منطقة جزين. وقدم رئيس الجمعية الدكتور جوزف نوفل المكان، وبمبادرة فردية وعلى نفقته الخاصة أنشأ معملا لتصنيع منتجات الحليب ومشتقاته التي تتنوّع ما بين الأجبان والألبان واللبنة والقريشة والشنكليش والكشك... الخ
أجود الأنواع
تعتبر منتجات المعمل من أجود الأنواع الموجودة في السوق، وهي تحمل علامة تجارية خاصة بها، وتشهد إقبالاً لافتاً رغم حداثة وجودها في السوق، بحيث تصرّف لدى الزبائن المنتشرين في جزين ومنطقتها، مروراً بقرى شرق صيدا والساحل، وصولا الى النقاش في بيروت. يستهلك المعمل في الشتاء كامل إنتاج الحليب في المنطقة، فيما يحتاج صيفاً الى دعم من مناطق أخرى، خاصة أن منطقة جزين تنتج 2500 كيلو من الحليب في اليوم.
"وحتى يكسر حاجز الخوف الذي يصيب البعض ويشجع المواطنين على الإستثمار في الزراعة"، أنشأ الدكتور نوفل (رئيس بلدية سنيا سابقاً) وهو طبيب أسنان يعيش مكتفيا من مهنته، مزرعة أبقار خاصة به في خراج بلدته سنيّا، وهي تضمّ حالياً حوالى 40 بقرة من أصول ألمانية لأنها الأكثر تأقلماً مع مناخنا، معتبراً أن الزراعة ليست بالضرورة مخصصة للفئة غير المتعلمة من الشعب، بل يمكن للجميع الإستثمار فيها.
ويؤكد نوفل أن تصرّفه هذا شجع العديد من زملائه الأطباء والمهندسين وغيرهم من الأشخاص المثقفين على فتح مزارع خاصة بهم.
كما يرى "أن إنماء الريف أمسى حاجة وطنية، لأن المواطنين ينزحون الى العاصمة التي تحوّلت مركزاً للضغط السكاني وللتلوث وتوتير الأعصاب، مما يعني أن خطة إنماء الريف يجب أن تكون سياسة وطنية على الدولة دعمها في شكل كلي وليس على أشخاص عاديين مثلي أو مثل المزارعين".
المشروع في بداياته
يعتبر المشروع في بداياته وهو في مجال التطوير، ويفيد منه حالياً حوالى 50 مزارعاً، والعدد مرشح للتزايد مع عدد الطلبات التي تتلقاها الجمعية، نظراً الى الدعم الذي يلقاه المزارعون على صعيد تصريف إنتاجهم وتزايد الطلب على منتجاتهم. وتتولى "جمعية الإنماء الزراعي" حالياً توزيع منحة دعم لمزارعي الأبقار، قدمها راعي أبرشية صيدا للروم الملكيين الكاثوليك المطران إيلي حداد، عبارة عن 60 بقرة ألمانية توزع على المزارعين لدعمهم وزيادة إنتاجهم. كما يلفت شراء الجمعية ليتر الحليب بـ 1200 ليرة من المزارع، رغم أن أسعاره لا تتجاوز الألف ليرة في كلّ لبنان، وذلك بهدف دعم المزارع الجزيني وتشجيعه. واذا كان المعدل السنوي لإنتاج الحليب للبقرة الواحدة، وفق خبراء، يصل الى سبعة أطنان في السنة، فان خمس بقرات تنتج للمزارع دخلا صافيا في الشهر يصل الى ألف دولار، ويرتفع هذا المدخول الى 1500 دولار في الشهر بعد تصنيع الإنتاج.
هبوط لافت
يرى المدير الإداري لمشروع مركز الجمع والمعمل التابع للجمعية طوني أبو زيدأن ان هذا القطاع عرف هبوطاً لافتاً في العام 2010، إذ ارتفع سعر العلف ليصل الى 800 ليرة للكيلو، ترافق ذلك مع انخفاض سعر كيلو الحليب الى 700 ليرة، مما أدى الى قفل العديد من مزارع البقر في المنطقة، ووصل عدد الأبقار المباعة الى المئة، كما راوحت خسارة المزارعين ما بين 40 و45 مليون ليرة، وهي أرقام لا يحتملها المزارع في المنطقة. لكن مع بداية هذه السنة وتأسيس الجمعية استطعنا أن نستدرك الخسارة ونعيد إحياء القطاع".
ووجه نوفل الشكر الى رئيس اتحاد بلديات جزين خليل حرفوش على الدعم الذي وفره للمشروع عبر المساهمة بدفع رسم نقليات توزيع الإنتاج في شاحنة مبرّدة الى كل المناطق والتي تبلغ كلفتها في السنة حوالى 70 مليون ليرة.
وكشف نوفل عن مجموعة مشاريع مستقبلية ستنفذ، بالتعاون مع الإتحاد، أبرزها مشروع إنشاء برك لجمع مياه الشتاء في المنطقة تستخدم لريّ البساتين والأراضي الزراعية وذلك تحسينا لواقع الزراعة وانتاجيتها. كما تسعى الجمعية في القريب الى إنشاء حسبة، أو سوق، لبيع المنتجات الزراعية بالجملة مباشرة من المزارع الى المستهلك ومن دون أي كلفة مترتبة على الأخير، فضلا عن مصانع صغيرة لتعليب الخضر والفواكه وتجفيفها "لأن الإنتاج الزراعي الحيواني أو النباتي لا يمكن أن يكون مربحا من دون تصنيع وبغياب خطة تسويقية شاملة، وفق نوفل.