النهار – رلى خالد
لا يرتبط إسم مدينة جزين فقط بشلالها الشهير وبصناعتها الحرفية المميزة، بل هو على صلة وثيقة بزراعة التفاح، التي اشتهرت بها منذ أوائل خمسينات القرن الماضي، فغطت شجرة التفاح معظم الأراضي التابعة للمدينة، بدءا من ارتفاع 800 متر وصولا الى 1600 متر. عرفت زراعة التفاح في جزين نجاحات مهمة وعصراً ذهبياً مع بداية انتشارها، رغم اقتصارها على نوعين تقليديين هما Golden و Starking، فأنتجت أجود الأنواع لعقود، وشكّلت هذه الزراعة مصدر عيش أساسياً للمئات من عائلات المدينة الذين دأبوا على غرس أرضهم بنصب التفاح التي كانت بمثابة "مزراب ذهب لا يعوّض".
مع الوقت أصبح التفاح من المنتجات الزراعية الأبرز في منطقة جزين، فوصل إنتاجه الى 400 ألف صندوق سنوياً في سبعينات القرن الماضي، ليتراجع مع الوقت ويلامس الـ 40 ألف صندوق العام 2011 (وفق احصاءات مأخوذة من الخطة الإستراتيجية الإنمائية لمنطقة جزين التي وضعها إتحاد بلديات منطقة جزين)، وسط غياب كامل لرعاية الدولة وعدم وجود أي مبادرة جدّية من جانبها لدعم وحماية هذه الزراعة والعمل على تنميتها وتطويرها.
وضع مأسوي
يعتبر واقع زراعة التفاح حالياً في جزين مزرياً ومأسوياً، فالمزارعون يئسوا من ترداد المطالب عينها التي لا تلقى آذاناً صاغية عند أحد من المعنيين. لذلك يعمد قسم كبير منهم الى إقتلاع نصب التفاح "إرث الأباء والأجداد" واستبدالها بزراعات أخرى لا تحتاج الى الكثير من العناية ويمكن تصريفها بسهولة.
ووفق نائب رئيس التعاونية الزراعية بولس سليم "تحتاج زراعة التفاح الى عناية كبيرة ومميزة عن باقي الزراعات وعلى مدار السنة، ممّا يرهق كاهل المزارع ويرتّب عليه أعباء مالية باهظة لا يستطيع تحمّلها في ظل عدم وجود أسواق لتصريف الإنتاج". فالعناية بالتفاح تبدأ في شهر تشرين الثاني من كلّ عام، بالتشحيل، الذي يحتاج الى يدّ عاملة متخصّصة أصبحت نادرة في المنطقة، إضافة الى كلفتها المرتفعة، بحيث يتقاضى المشحّل 50 دولاراً إجرة عمله يومياً. ثم تأتي عملية الرشّ الدوري للمبيدات الزراعية الضرورية للحصول على أفضل المحاصيل، من بداية فصل الشتاء وحتى أوائل شهر أيلول أي قبل حوالى 20 يوما من موعد بدء القطاف.
وتتنوّع عملية رشّ المبيدات بين الجنزارة والزيت الشتوي لحماية الأشجار من بيوض الحشرات والأمراض الفطرية التي تنمو على البراعم، الى الطربوش الأحمر لمكافحة التبقع والسوس... الخ، علماً أن الرشة الأخيرة للطربوش الأحمر في شهر نيسان تتكرّر حتى حدود أربع مرات اذا ترافقت مع تقلّبات في الطقس ورطوبة مرتفعة قد تبطل مفعولها.وتستكمل عمليات رشّ المبيدات كلّ 15 يوماً من شهر حزيران حتى شهر القطاف في أيلول.
يكشف المزارعون أن كلفة البرميل الواحد لرشّ المبيدات الزراعية تصل الى 20 دولاراً يضاف اليها عشرة دولارات أجرة الرشّ، مع الاشارة الى أن البرميل يكفي لرشّ 60 شجرة فقط. من دون أن نغفل كلفة الأسمدة العضوية والكيماوية والفلاحة والريّ والقطاف والنقل والتبريد...الخ
ويوضح سليم: "أن كلّ هذه الأعباء المادية لم تشكّل يوماً عائقاً في وجه المزارع لأنه كان يعمد في نهاية الموسم الى تصريف إنتاجه واستعادة أمواله فضلاً عن أرباح كافية تسهم في تأمين معيشته وعائلته طوال السنة. لكن غياب إمكان تصريف المحصول وعدم قيام الدولة بأي مجهود لتأمين أسواق لتصريف الإنتاج وحماية التفاح اللبناني من المضاربة الأجنبية، وضعت المزارع في حال مزرية ومأسوية". وشكر سليم للجيش اللبناني لشرائه تفاح جزين من العام 1997 حتى العام 1999، خلال فترة الحصار الذي عانت منه المنطقة، إذ كان لهذه المبادرة الأثر الطيب في نفوس المزارعين الذين تشجعوا على الإستمرار في العمل، متمنياً أن تتكرّر المبادرة حالياً نظراً الى الضيقة الإقتصادية التي يعانيها الجميع، وخصوصاً المزارعون.
صعوبات في التسويق
اعتباراً من العام 2004 بدأ مزارعو التفاح في جزين يواجهون صعوبات في تسويق منتجاتهم، خاصة أن التجّار والوسطاء يقدمون أسعاراً زهيدة للمنتج تصل الى 250 ليرة لبنانية للكيلو، لا تكفي لتعويض الكلفة، ممّا تسبّب بتراجع في عدد مزارعي التفاح مرغمين، وابتعاد العناصر الشابة عنها لعدم إنتاجيتها، فضلاً عن تقلّص المساحات المزروعة منها لتنحصر بعدد من الأراضي التي ترتفع بدءاً من علو 1150 متراً وما فوق.
وتوقع عضو التعاونية الزراعية شوقي سليم أن يصل المحصول هذه السنة الى 70 ألف صندوق تفاح من النوعية الممتازة، لأنه ترافق مع طقس جيد غير رطب، غير ان المشلكة برأيه تتمثل بعدم وجود طلب على المحصول حتى اليوم، لأن التجّار لم يحضروا بعد لشرائه، مما خفّض سعر صندوق التفاح ليراوح بين 5 و 15 ألف ليرة كحدّ أقصى. ويتخوّف سليم من استمرار هذا الوضع نتيجة قفل الخط البريّ للتصدير الى الخليج عبر سوريا بسبب الأوضاع الأمنية التي تشهدها، وبالتالي ستترتب على المزارع تكاليف إضافية تتمثل بنقل المحصول وحفظه في البرادات في بلدة مشغرة البقاعية الى حين تصريفه. مقترحاً أن تعمد الدولة الى تأمين خط بحري موقت لتصريف التفاح، والى فتح أسواق حرّة في العاصمة تسمح للمزارعين ببيع محصولهم مباشرة للمستهلك، وتحدّ من احتكار التجّار للمنتجات التي يشتروها من المزارع بأسعار زهيدة ويبيعونها للمستهلك بأسعار خيالية".
يذكر أن حوالى 200 عائلة في جزين وبلدة عين مجدلين لا تزال حالياً تعتمد على زراعة التفاح كمصدر أساسي لمعيشتها، فهل من يسأل عن مصير هؤلاء أو يتحرّك لتثبيتهم في أرضهم وحمايتهم من مسبّبات الهجرة والنزوح؟