تعالوا نعالج السرطان بالوقاية

مي منسى - النهار

المشهد البارز في لبنان هو مشهد بلد يعيش نزاعاً بين مؤسساته وشغباً بين أحزابه واستراحة الضمائر على قمم الفساد، وعجزاً في موارد الإنسان الحاكم الفكرية والتربوية والإبداعية. هذا هو المكشوف علناً بلا حياء ولا خفر، حتى بات المسلسل الكوميدي - المأسوي الذي بتنا ننتظره كل يوم بمازوشيتنا من دون أن يتغيّر المشهد كما المسلسلات التركية المدبلجة بلهجة سورية، حكاية طويلة من شغل هذا البيت الذي لا يقلّد أحدا.
أما في الكواليس غير المرئية، فهناك جنود عطاء وتخصص وقلوب نابضة، شمّروا عن سواعدهم، بديلة من السواعد المبتورة والنوايا الكسولة من أجل أن يبقى لهذا الوطن هيبة إنسانية وللمواطن المخدوع في وطنيّته، سنداً يتكئون عليه حين تدلف الدنيا على رأسه كوارث وتنخر الأمراض العاصية عظامه.
الدكتورة رلى فرح صيدح التي جعلت من تخصصها في نيويورك في طب الأطفال والأمراض السرطانية والبحوث في سرطان الدم لدى الصغار، رسالتها، هي فرد فاعل في مؤسسة "شانس" التي باتت منذ بدايات الألفية الثالثة، عضوا في المؤسسة الدولية الجامعة تحت رايتها المؤسسات المنتشرة في العالم لمعالجة الأولاد المصابين بهذا المرض.
"في العام 2006 تم الاعتراف رسميا بمؤسسة "شانس" كأول مؤسسة لبنانية تجنّدت ليس للعلاج وحسب بل لنشر التوعية بين الأهل وتلامذة المدارس والتعاون مع سلك أطباء الأطفال، والقيام بمشاريع تلفت انتباه اللبنانيين إلى ما نحن في صدد إنجازه لإبعاد شبح المرض عن أولادنا"."
رلى فرح، نقرأ في تكاوينها الجميلة وابتسامتها المشرقة، ما في القلب من نبض إنساني وفي الروح من إيمان، هو رهانها لإيصال كل طفل مصاب إلى الشفاء. ففي هذه المقابلة وقبل أن أستمع إليها، فردت على الطاولة ما أنجزته المؤسسة في كتيبات روزنامة تتضمن رسوماً للأطفال والأولاد المرضى ومشاريع نفذتها حتى الآن، لا سيما الملصق الذي تعيره كل اهتمام لكونه يشكل مسابقة يشارك بها جامعيون ورسامون لمحور واحد: التوعية من مرض السرطان.
"في مرحلة أولى أصدرت مؤسسة "شانس" كتيبا عن أورام الدماغ والحبل الشوكي بلغة عربية سهلة، لمساعدة كل عائلة على فهم، أولا خفايا داء السرطان كما أورام الجهاز العصبي المركزي التي تصيب الدماغ والنخاع الشوكي. كتيّب مفيد من فصول عديدة يتنوّر منها قارئها. وأصدرت المؤسسة أيضاً، كتيبا ثانيا لفهم أنواع اللوكيميا.
جوائز ثلاث للملصقات الأكثر تعبيراً
الرابع من شباط هو يوم عالمي لمرض السرطان ونريده في غاية الخصوبة في لبنان من مسابقات ومنشورات ومحاضرات. هذه السنة كان محور نشاطاتنا عن أمور ثلاثة: البيئة، الصحة، السرطان، وأردنا المسابقة وطنية تعم لبنان كلّه، وفي السابع عشر من نيسان الجاري ستجتمع لجنة لتختار من بين الملصقات الرسوم الأكثر تعبيراً، "بيئة سليمة، نظام حياتي متزن، وعالم أفضل لتفادي السرطان وذلك بالتعاون مع وزارة البيئة".
كيف يمكن التقويم بين مئات الملصقات التي ستصل إليكم؟
"في الرابع من نيسان (أمس) اقفل باب المشاركة في هذه المسابقة وسنقوم باختيار خمسة عشر ملصقا ننشرهم على موقع "شانس" الألكتروني ووزارة البيئة، كما ستنال الملصقات الثلاثة الرابحة جائزة البنك العربي وستكون موضوع حملة توعية من السرطان على مدار هذه السنة".
هل استطاعت البحوث أن تحدد الأسباب الأساسية للسرطان؟
"البحوث في العالم أظهرت حتى الآن أن ثلثي الأمراض السرطانية مرتبط بالبيئة. لقد جمعنا تحت سقف الجامعة اللبنانية – الأميركية، 1800 تلميذة راوحت أعمارهم بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة من كل المدارس وحدثناهم عن الصحة. وفي هذا اللقاء شملت التوعية، الغذاء والالتهابات والتدخين ومساوئها على الصحة".
 هل من أسلوب خاص تتعاملين به مع الطفل المصاب وأهله؟
"أعود بك إلى البدايات، يوم رأيت أبا فقيرا حاملا طفله المصاب بداء الجدري رفضت المستشفى إدخاله لعدم قدرته على تسديد العلاج. وكان الوالد يبكي. كنت عائدة من تخصيص من الولايات المتحدة حيث يدخلون المريض أولا وبعد ذلك الحساب. أدخلنا الطفل إلى المستشفى فتبين لنا أنه مصاب بالسرطان. ورغم العلاج توفي الولد وكان ذلك بالنسبة إلي منعطفاً للبدء بمشروع للصغار، ويقيني بأن الشفاء مضمون إن أحسنا معالجة الداء. صار شعاري "فلننقذ حياة" فما من ولد إلا ويستحق فرصة لعلاجه خارج منطق المال. نحن اليوم نشبك الأيدي والروح، وأذكر الدكتورة آن – ماري نصر أن هذا الملاك أدرك الأساليب الإنسانية التي تجعل الطفل يتعلّق بالحياة.
"هدفنا الأول مساعدة الولد ماديا. ثم إشراك الولد نفسه بمد يده إلى ذاته. من هنا ولدت فكرة الروزنامة وأنامل كل واحد ترسم ما تشتهيه روحه. هي التي أسرعت في توسيع آفاق مؤسستنا. نحن واعون لكي يبقى الفرح في قلوبهم، بإخراجهم من الوسط الاستشفائي، إلى نزهات في الطبيعة والاحتفال بالأعياد. السرطان ما عاد هذا المرض المخيف، فعلاج سليم ومتابعة وتوعية على صعيد الأهل عناصر كفيلة باسترداد العافية والعيش بسلام.

October 2024
Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat
   12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031