رلى خالد – النهار
"لولا هؤلاء الفقراء والمسنيّن، لا سبب جوهرياً لوجودنا"، بهذه العبارة يصفّ أحد أعضاء جمعية "مار منصور دي بول – فرع السيدة"، العلاقة التي تربط أعضاء هذه الجمعية الخيريّة بالمحتاجين في منطقة جزين، فيؤكد أن وجود هؤلاء يَخلُق معنى وسبباً لوجودهم وللعمل الإنساني الذي يقومون به مجاناً.
ثمة سيّدة محتاجة من منطقة جزين توفى ابنها عن عمر 33 سنة بمرض السرطان، تعاني مرض السكري الذي يتخطى معدله 300 في الدم، ترفض تناول الدواء، رغم اصرار الجمعية على تأمينه، رغبة منها بالموت، هرباً من العوز ورغبة في لقاء ولدها.
حال مؤثرة أخرى عن عجوز فقير، أعمى ووحيد، كانت الجمعية تقدّم له المساعدة، توفى في آذار الفائت، وكان يعيش مع كلبه لأكثر من 17 عاماً، فيتقاسم معه وجبة الطعام التي كان يضعها على طاولة صغيرة أمامه، ويأكلان من صحن واحد. معاناة المحتاجين تترك آثاراً عميقة في نفوس أعضاء الجمعية، وهذه بعض من الحالات الراسخة في ذهن رئيس الجمعية جورج سَليْم.
21 سنة من العطاء والمحبة المغلّفة باحترام كرامة الانسان والمحافظة عليها، هي رصيد جمعية "مار منصور دي بول- فرع السيدة" في منطقة جزين، التي تأسست العام 1992، بهدف تقديم المساعدة للمحتاج، أياً تكن طائفته وعرقه ولونه أو انتماؤه السياسي، شرط أن يكون فقيراً محتاجاً أو معدماً، ليس لديه أحدٌ ليقدًم له المساعدة. يدير هذه الجمعية العلمانية 13 عضواً مسيحيّاً من قضاء جزين، من بينهم 4 سيدات و9 رجال، يهتمّون بمساعدة 107 عائلات محتاجة، معظمها ليس لديها أي مدخول شهري ثابت، منتشرة على مساحة القضاء، من الجرمق الى بلدة لبعا الساحلية، وموزعة كالآتي: 11 شخصاً مصاباً بإعاقة جسدية أو عقلية، 53 مريضاً من الأعمار المختلفة، بعضهم يعاني أمراضاً مزمنة، ويتمّ تأمين أدوية شهرية من الصيدليات لـ 30 منهم، 12 طفلاً أو ولداً يتيماً، 52 عجوزاً مهملين، بعضهم ليس له عائلة والقسم الأكبر أولادهم يقيمون في العاصمة ولا يلتفتون اليهم، 43 أرملة من الأعمار المختلفة...
المشاركة مع المحتاجين
يتحدث سَليْم عن نشاطات الجمعية السنوية، فيوضح "أنها متنوّعة وتطال كلّ الفئات المذكورة، أبرزها توزيع المواد الغذائية 3 مرات في السنة على العائلات المحتاجة، في أعياد الميلاد والفصح وفي عيد سيّدة الانتقال في 15 آب، على شكل حصص غذائية، تصل قيمة الحصة الى 60 دولاراً. واللافت أن هذه الحصص تُجمع على عيد الميلاد، من تبرّعات الأهالي في الرعايا والمدارس، للتوعية على أهمية مشاركة الفقير والمحتاج. اضافة الى دفع رسوم التسجيل لتلامذة المدارس الرسمية وتأمين القرطاسية في شهر أيلول من كلّ سنة، يتمّ تنظيم رحلات للمسنّين عند توافر التمويل من أحد المتبرعين الى الأماكن الدينية، يتخللها غداء. كما تنظم الجمعية نشاطات خاصة بالمساجين في منطقة جزين في عيدي الفطر والميلاد، كلفتة وتحيّة للإنسان في داخلهم بمناسبة الأعياد، وتخصص ميزانية شهرية تصل الى مليون و700 ألف ليرة لبنانية لشراء أدوية من الصيدليات لنحو 30 مريضاً، لا يملكون ثمن أدويتهم، التي تراوح أسعارها ما بين 40 و 200 الف ليرة. وأيضاً تغطي الجمعية المساعدات الطبيّة الطارئة للأشخاص الذين لا يملكون تغطية صحيّة، وتوفر الحطب والمحروقات للتدفئة شتاء، وتوزع المفروشات المستعملة على المحتاجين، يستحصل عليها من عائلات ميسورة تريد تغيير أثاث منزلها أو أدواتها الكهربائية...الخ، فتقدّم للجمعية التي تعيد ترميمها وتوزيعها على من هم في حاجة، وتوزع ثياباً بقيمة 5 آلاف دولار على المحتاجين، بعضها جديد وقسم مستعمل وفي حال جيدة.
كرامة المحتاج
يركز سليم في كلامه على احترام كرامة المحتاج، فيؤكد "أن مساعدات الجمعية توزع كلها ليلاً، وذلك تطبيقاً لمبدأ المحافظة على السريّة وكرامة المحتاج"، مشدّداً على "أن نشاطاتها تعتمد في شكل رئيس على دعم المتبرعين وأعضاء الجمعية وأصدقائها. علماً أن الجمعية تنظم في أول سبت من شهر تموز عشاء سنوياً يُجمع فيه المبلغ الرئيسي لتغطية الجزء الأكبر لهذه النشاطات على مدار السنة. (لم تكن التبرّعات مهمة في عشاء هذه السنة).
روحانية العطاء والمحبة التي تقوم عليها مساعدات جمعية "مار منصور دي بول- فرع السيدة"، تتجلّى بمحطات مؤثرة ومشرقة تحدث عنها سليم، فتناول مثل أحد المتبرّعين، وهو أستاذ في التعليم الثانوي، يتبرّع شهرياً ومنذ عشر سنوات، من راتبه بمبلغ 50 الف ليرة، ليصحّ فيه مثل فلس الأرملة".
أن تكون فقيراً ليس بعيب، لكن العيب أن تتجرّد من انسانيتك، فتتجاهل أخاً فقيراً، محتاجاً ووحيداً، لن يهلك لأن قلّة من أمثال أعضاء "جمعية مار منصور" آثروا التحدّي لمساعدته رغم امكاناتهم المتواضعة جداً.