نسرين الظواهرة – النهار
من صيدا إلى طرابلس ومن جزّين إلى الكورة... قرى ومناطق لا تزال تعبق برائحة الزمن الجميل، وتدعوك إلى زيارات تستكشف فيها أبرز صناعاتها اليدوية
تمتاز معظم القرى اللبنانية في المحافظة على بعض التقاليد القديمة وأبرزها الحرف التقليدية المصنوعة يدوياً، إذ تعود قيمتها المعنوية والمادية إلى المواد الأولية (الخام) التي تستعمل و تتميز فيها عادة كل قرية. ولكن، رغم أهمية الصناعات التقليدية بالنسبة الى فئة كبيرة من اللبنانيين والعرب، يعاني هذا القطاع إهمالاً كغيره من القطاعات، حتى باتت معظم المبادرات فردية بإمتياز، يرفض أصحابها توريثها إلى أبنائهم لأنها مهنة "لا تُطعم خبزاً ولا توفر حياة كريمة لصاحبها".
ورغم ذلك، يجابه بعض الحرفيين التطور التكنولوجي الذي يكتسح أسواقنا على كل الصعد، ويسعون تالياً الى الحفاظ على ما تبقى من الحرف والفنون التراثية التقليدية: من الصواني النحاسية المزيّنة بالزخرفة العربية، والسكاكين ذات القبضات المصنوعة من قرون الحيوانات، والعلب الخشبية والمفروشات المحفورة، والحلي، وألواح صابون زيت الزيتون، والفخّار، والأقمشة، والتطريز، والجلد. مناطق متنوعة تشتهر بمساهمتها الفريدة في المحافظة على بعض الصناعات التقليدية اليدوية. وهنا، دعوة الى زيارة هذه المناطق، فالفرصة لا تزال سانحة حتى تكتشف أنت وعائلتك، صناعات تاريخية توشك على الإندثار!
الصابون
يُعد الصابون البلدي المصنوع من زيت الزيتون من أبرز الإنتاجات التقليدية في لبنان، إذ يكتسب شعبية عالمية بفضل نقاوته وميزاته الصحية التي لا تحصى، أبرزها منع تساقط الشعر والقشرة، إضافة إلى علاج بعض الأمراض الجلدية كالإكزيما. كان يُصنع في الماضي من إنتاج الزيت الخاص بكل عائلة، ويُنقش تالياً إسم العائلة أو بعض الرموز الخاصة على ألواح الصابون، وذلك حفاظاً على جودة إنتاجهم وخلطتهم السرية التي يتميزون بها.
من بين المناطق التي تشتهر بصنع صابون زيت الزيتون: الكورة، حاصبيا، صيدا والشوف. كذلك، تشتهر معامل إنتاج الصابون الطرابلسية بالزيوت الخاصة بالتدليك. فما رأيك لو قررت صباح يومٍ مشمس، أن تتوجّه مع عائلتك لزيارة إحدى هذه المناطق، كي تتعرّف الى وسائل صنع الصابون البلدي، وإدراجه مجدداً في حمامك؟
الفخار والخزف
لم يستطع أحد تحديد تاريخ ظهور الخزف، ولكن منذ أن اكتشف الإنسان الطين، أدرك أهمية هذه المادة التي يمكن أن يصنع منها "العجائب". لبنان غني جداً بهذه المادة، وما على "الفاخوري" كما يسمونه، إلا أن يتقن هذه الصناعة الحرفية القديمة جداً، وأن يستعملها سمراء كانت أو صفراوية أو مائلة إلى الرمادي، في الساحل أو في الجبل.
كان الفخار في السابق من الأواني الأساسية في كل منزل للإستعمال اليومي ولحفظ المونة. كما كانت يستخدم خصوصاً لحفظ الزيت و الزيتون والخلّ والعرق والقورما... لكن، للأسف، تستمر هذه الحرفة بخجل بعدما عرفت إزدهاراً كبيراً في السابق.
أبرز القرى التي تشتهر بصنع الفخار، قرية بيت شباب التي تصنع جراراً يصل ارتفاعها الى متر تقريباً. كذلك، تشتهر قرية آصيا (تبعد نحو 30 كلم عن جبيل) بصنع الفخار البدائي. ومن أبرز إنتاجها، أواني الحساء والأطباق والصحون البنية المعروفة بمتانتها ونقاوة أشكالها. هذا، إضافة إلى بلدة راشيا الفخار الجنوبية التي نجد فيها الـ"دواق"، وهو عبارة عن أباريق من الفخّار تحمل رسوماً هندسية تُستعمل في المنازل لتبريد المياه. ألا تستحق هذه المنتجات زيارة استكشافية بامتياز؟
الزجاج المنفوخ
تعود حرفة نفخ الزجاج لصنع أباريق المياه والكؤوس الملوّنة إلى العصر الفينيقي، حتى أنه عثر على بعضها، وهي معروضة حالياً في المتحف الوطني. ويقال إنّ مهارة النافخين الفينيقيين، ضاهت ونافست مهارة الحرفيين البندقيين. أشهر القرى في صناعة الزجاج المنفوخ هي الصرفند، حيث يصنع فيها من مواد مكرّرة، ويتوافّر باللون الأزرق، والأخضر، والبني والألوان الشفافة. حتى أن البعض يمزج التقنيتين، التقليدية والحديثة، للحصول على ألوان جديدة. كما يمكن صقل الشكل والحجم وفق التصميم المقرر تنفيذه.
صناعة القش
تقليد صناعة القشّ بدأ قديماً بسبب الحاجة الى الإستخدام اليومي، عبر استعمال المواد المحلية المتوافرة. هذه العادة، تحوّلت صناعة يدوية شهيرة لا تزال قائمة في بعض المناطق التي تقدم منتجات بأشكال وأحجام مختلفة، وأبرزها سلال وقبعات وبسط من القصب وأوراق النخيل. أبرز المناطق التي لا تزال تحافظ على هذه الصناعة، هي بلدة عمشيت ومناطق عكّارية في الشمال حيث يستعمل بعض سكّانها النباتات المزروعة محليّاً لصنع بعض المنتجات الحرفية، فيما تصنع في قرى أخرى سلال من البامبو المحليّ المسمّى بالعود.
لوازم المائدة
تجد صواني النحاس أو الفضة في معظم الأماكن، بدءاً من الأسواق القديمة، مروراً بالمقاهي العصرية، وصولاً إلى أرقى المجالس. وهي أساسية جداً في كل بيت، كونها ترمز إلى عادات قديمة لا يزال اللبناني يتوارثها. هذه الصواني متعددة الحجم واللون، وقد تكون نحاسية حمراء أو صفراء، وأحياناً مزخرفة. لها إستعمالات عديدة، وقد تقدم عليها الحلويات أو المأكولات وتستعمل أيضاً للقهوة والشاي. قرية القلمون تشتهر بلوازم المائدة، من النحاس الأحمر والفضة المعروفة بطرازها الشرقي وزينتها الخاصة التي تُصنع يدوياً.
أمّا السكاكين التي تعتبرمن أهمّ لوازم المائدة، فتصنع في قرية جزين الجنوبية، وهي تطعّم عبر قطع من الذهب أو الفضة وغيرها من المعادن الثمينة. تشتهر "السكاكين الجزينية" بأنها تقدم كهدايا فاخرة إلى أهمّ الشخصيّات العالمية، وهو تقليد بدأ في القرن الثامن عشر ولا يزال ساري المفعول حتى اليوم، علماً أن أول هدية منها قُدمت إلى سلاطنة عُمان.