النهار
بهجت ادمون رزق
أمس في الخامس من ايلول، انقضى ثلاثون عاماً على رحيل أمين رزق، الكاتب الصحافي والشاعر (1890-1983). كان أمين رزق رؤيوياً، على كثير من الحكمة والبصيرة، مارس الصحافة منذ فتوّته، شارك في تحرير صحيفة "الوطن" لاستاذه وصديقه "شاعر الأرز" شبلي الملاّط الى جانب رفيقه باترو باولي شهيد لبنان ايضاً. وتعرّض بدوره للملاحقة من العثمانيين، بعد نشر قصيدته "سقوط برقه" (1911)، في جريدة "المؤيّد" القاهرية لصاحبها الشيخ علي يوسف، محملاً العثمانيين مسؤولية الغزو الايطالي لطرابلس الغرب، وقد ارسلها يومذاك الى رفيقه المتقدّم، الشاعر "الحكموي" الشيخ أمين تقي الدين، لاستحالة نشرها في بيروت، تحت طائلة الاعتقال والاعدام، كما حصل لرفاقه وزملائه، مثل سعيد فاضل عقل وباترو باولي، والاخوين فريد وفيليب الخازن، وسواهم من روّاد الحرية في لبنان وسوريا.
سنة 1927 امضى خليل مطران، شاعر القطرين، فترة من الصيف في جزين، اقيم له احتفال رحّب به أمين رزق بقصيدة، وردّ مطران بقصيدة، واطلق عليه لقب "شاعر الشلال". سنة 1944 نال أمين رزق جائزة دار الاذاعة البريطانية حول موضوع "السلام" ولقّب شاعر السلام. في النصف الثاني من الثلاثينات ترأس تحرير جريدة "الحديث" لمؤسسها الياس عبداللّه حرفوش، ثم، بعد توقفها اواسط الاربعينات، تفرّغ لرئاسة تحرير "الروّاد" لصاحبها بشارة مارون، مساهماً بمقال اسبوعي في مجلة "الصياد" لمؤسّسها سعيد فريحه، زميله في الحديث وصديقه.
كتب أمين رزق آلاف المقالات في الصحف اللبنانية والعربية، ومئات التعليقات السياسية لاذاعتَي ال بي بي سي والشرق الأدنى وخص جريدة "العمل" بافتتاحيات ومقالات، وظلّ يكتب وينظم حتى اواخر حياته المديدة.
في 1975 كرّمت نقابة المحرّرين امين رزق وأعلنته، مع نقابة الصحافة، "عميداً للصحافة اللبنانية" وقلّده رئيس الحكومة آنذاك رشيد الصلح باسم رئيس الجمهورية سليمان فرنجيه وسام الارز من رتبة كوماندور. وكان الرئيس كميل شمعون قد قلّده وسامين على التوالي: وسام الاستحقاق اللبناني المذهب، ثم وسام الارز من رتبة ضابط.
في 2008، اطلقت بلدية جزين اسمه على احد شوارعها. وفي 2013 نشر الشاعر جورج شكّور مختارات من قصائد أمين رزق في سلسلة كتب المطالعة المدرسيّة التي اصدرها وتبنّتها وزارة التربية والتعليم العالي، لتظلَّ ذاكرة "لبنان الشاعر" حيّة.
اليوم، بعد ثلاثين سنة من رحيلك، يا جدّي، تظلّ محبتك للعائلة، لجزين ولبنان، وحكمتك، نزاهتك وتواضعك، تجرّدك وزهدك، والفضائل التي علمتها لاولادك ونشأ عليها احفادك الاثنان والعشرون، حيّةً في وجداننا، متذكرين ابياتك الأخيرة:
إذا المَوْتُ وافاني فَلَسْتُ بمائتٍ
سَـيَـبْـقى دمي يجري بأَعراقِ أَوْلادي
ويَرْجِعُ جِسمي للتُرابِ وينتهي وأحـيـا بأَحـفـادي وأَحفادِ أَحفادي
فما الموْتُ إلا يقـظةٌ سَرْمَدِيَةٌ
بـإعْـتـاقِ أَرواحٍ وإفــنـاءِ أَجسادِ